من المعروف أن لعبة كرة القدم هي لعبة “الرجال”، القائمة على الفوز والتسديد والتكتيك والروح القتالية العالية ومثل هذه الأمور التي تلهب الحماس داخل الميدان وأمام شاشات التلفاز، لكنها في حقيقة الأمر تبدو أكثر من ذلك فهي أسلوب حياة وعالم آخر.
أحيانا يجد نجوم الساحرة المستديرة أنفسهم في مواقف تستدعي البكاء إلى حد الإنهيار لأنها تشكل محور حياتهم، حقا اللعبة مليئة بالمشاعر والإنسانية والأخلاقيات.
كرة القدم اللعبة الشعبية الأولى في العالم، لا تقتصر مشاهدتها على فئة سنية أو اجتماعية معينة. ربما كان ذلك هو العامل الأهم لاستخدامها كعامل جذب لأنظار الكثير من المتابعين نحو بعض القضايا الإنسانية.
وقضيتنا اليوم عن حدث اقتلع قلوب متابعي البريميرليج مؤخرا بإصابة اللاعب البرتغالي اندريه جوميز نجم إيفرتون خلال مواجهة توتنهام هوتسبير.
جوميز تعرض لإصابة شنيعة بسبب تدخل من الكوري الجنوبي هيونج مين سونج وأكمل عليه الفيل الإيفواري سيرجي أورييه كما أظهرت شاشات التلفاز في إعادة تلك اللقطة المُبكية.
ولكن إصابات الملاعب، حتى وإن كانت بهذه الدرجة من القسوة، أصبحت أمر معهود في ملاعب كرة القدم، لاسيما مع اشتداد المنافسة ورفع معدلات الإندفاع البدني لدى اللاعبين، بينما الأمر الذي جعل هذه الإصابة تتصدر المشهد الكروي في العام أجمع خلال الآونة الأخيرة، هو مدى تأثر سون عقب رؤية قدم منافسه بعد الإصابة ومعاناته من الآلم.
التفاصيل الكاملة حول واقعة اصابة سون لـ جوميز من البداية حتى هذه اللحظة. pic.twitter.com/OlI8mVde0Z
— kora11.com (@kora11) November 4, 2019
سون بكى وكأنه فقد أكثر شيئا عزيزا على قلبه، دخل في نوبة هيستيرية من البكاء وفقد أعصابه تماما فور رؤية المشهد، وأورييه لم يستطع إكمال اللقاء، وباقي لاعبي الفريقين أن المباراة يا ليتها لم تكن من الأساس، أو حدث أي شئ بخسارة أي منهما بأي نتيجة، ولم يُصاب جوميز بمكروه.
ردة فعل سون أثارت في الأذهان الوجه الأخر من تفاعلات كرة القدم، والذي يبدو قبيحا.. نعم الحديث هنا عن عقليات بعض اللاعبين التي ترى بأن أي شئ مُباح فوق أرضية الملعب مادام سيجلب لهم الإنتصار، حتى وإن كان كسر أنف لاعب أو خلع كتف آخر.!
وكما أصبح “شمشون” مثالا رائعا للإنسانية في كرة القدم من بين عديد من اللاعبين لا يمانعون خسارة لقب أو مباراة من أجل سلامة بقية المنافسين، من الممكن أن نتطرق إلى الحديث عن الوجه الأخر وممثله الأشهر خلال السنوات الأخيرة، المدافع الإسباني المخضرم سيرجيو راموس، قائد فريق ريال مدريد الإسباني.
راموس ليس الأعنف في العالم، وهو لاعب من بين عشرات اللاعبين ليس لديهم أي أزمة في إلحاق إصابة بالغة بخصمه من أجل إستخلاص كرة أو منع هجمة واعدة على سبيل المثال، إلا أنه يبقى وحشيته تبقى ظاهرة غريبة بعض الشئ، وذلك بسبب أنه دائم إتهام منافسه بالتمثيل وهو يعلم جيدا أنه تسبب في ضرر قوي لجسده من خلال تدخل عنيف.
وصحيح أن راموس يتصدر ترتيب أكثر اللاعبين طردا في الليجا والكلاسيكو ولكن هذه البطاقات الحمراء ليست كلها لتدخل خشن بل أحيانا لتقصد هذا التدخل والذي يقطع مرحلة الخشونة ليصل إلى العنف وأحيانا العنف المتعمد والمخطط له، إما لإبعاد اللاعب عن المنافسة أو للضغط الهجومي الذي يعيشه لاسيما من برشلونة ومن ميسي بالتحديد.
لكن الأهم من البطاقات الملونة التي رافقت مسيرة راموس في ريال مدريد، وحتى في المنتخب الإسباني، كان نجاته من العقاب وذلك بعد تدخلات حتى تبدو أعنف من تلك التي عوقب عليها، لعلنا لم ننسَ حتى الآن كيف أخرج صاحب الرقم 4، منافسه النجم المصري محمد صلاح من نهائي دوري أبطال أوروبا الموسم الماضي، ثم حرمه من إنطلاقة صحيحة مع منتخب بلاده في كأس العالم.
وبإشارتنا لتدخلات راموس العنيفة لا نقلل من شأنه الفني ولا من أدواره في كل الألقاب التي فاز بها ريال مدريد في عهده، حتى أن البعض يقول بأن راموس كان مفتاح متتالية مدريد الثلاثية في دوري أبطال أوروبا، حين سجل هدف التعادل في اللحظات الأخيرة على أتلتيكو مدريد نهائي 2014، بالطريقة التي سجل فيها العديد من الأهداف فهو بحق المدافع الهداف وميزة أهدافه الرأسية كمدافع لم يضاهيه بها أحد إلا بويول أسطورة برشلونة.
لكن كل ذلك بإمكانه أن يُنسى حين نرى راموس يفعل ما يفعل ولأسباب أحيانا نجتهد في تفسيرها بتفوق المنافس المهاري عليه، أو إحساسه بأنه يجب عليه منع الهجوم بأي طريقة ممكنة أو أن فطرته هي هكذا خشنة وتقوده دائما للتهور بالتدخل وغالبا ما يقوم بذلك موهما الحكم أنه عفوي أو تدخل عادي فيه بعض القوة فقط، ثم يطالب “ضحيته” كالعادة بالنهوض سريعا واللعب كالرجال وعدم التمثيل.!